كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



لا يستوي منكم من أنفق قبل فتح مكة والحديبية والذين أنفقوا من بعد ذلك. بل أولئك اعظم ثوابًا وأعلى درجةً من هؤلاء؛ لانَّ حاجةَ الناسِ كانت أكثر إلى ذلك وكان ذلك أشقَّ على أصحابه.
ثم قال: {وَكُلًا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} إلاَّ انَّ فضيلة السَّبْقِ لهم، ولهذا قالوا:
السابقَ السابقَ قولا وفعلًا ** حذِّرْ النَّفْسَ حَسْرَةَ المسبوق

قوله جلّ ذكره: {مَّن ذَا الذي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
المراد بالقرض الصدقة، وإنما ذكرها سبحانه كذلك تطييبًا لقلوبهم، فكأن المتصدِّق وهو يقرض شيئًا كالذي يقطع شيئًا من ماله ليدفَعه إلى المُسْتَقْرِض.
ويقال: {يُقْرِضُ} أي يفعل فعلًا حسنًا، وأراد بالقرض الحسن ها هنا ما يكون من وجهٍ حلالٍ ثم عن طٍيبِ قلبٍ، وصاحبُه مخلِصٌ فيه، بلا رياء يشوبه، وبلا مَنِّ على الفقير، ولا يُكَدِّره تطويلُ الوعد ولا ينتظر عليه كثرة الأعواض.
ويقال: أن تقرضه وتقطع عن قلبك حُبَّ الدارين، ففي الخبر: «خير الصدقة ما كان عن ظهر غنًى» ومَنْ لم يتحرَّرْ من شيء فخروجُه عنه تكلُّفٌ.
قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيِهمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمْ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
وهو نورٌ يُعْطَى للمؤمنين والمؤمنات بقَدْر أعمالهم الصاحة، ويكون لذلك النور مطارحُ شعاع يمشون فيها والنورُ يسعى بين أيديهم، ويحيط جيمع جهاتهم.
ويقال: {وَبِأَيْمَانِهِم} كتبهم.
{بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ} أي بشارتكم اليومَ- من الله جنات. وكما أن لهم في العرصة هذا النور فاليومَ لهم في قلوبهم وبواطنهم نورٌ يمشون فيه، ويهتدون به في جميع أحوالهم، قال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن ينظر بنور الله» وقال تعالى: {فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِهِّ} [الزمر: 22].
وربما ينبسط ذلك النورُ على مَنْ يَقْربُ منهم. وربما يقع من ذلك على القلوب قَهْرًا- ولأوليائه- لا محالةَ- هذه الخصوصية.
قوله جلّ ذكره: {يَوْمَ يَقول المُنَافِقُونَ وَالمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ}.
انتظرونا فنلحق بكم لنقتبسَ من نوركم. وذلك لأن المؤمنين والمنافقين يُعْطَوْن كُتُبهم وهم في في النور، فإذا مَرُّوا... انطفأ النور أمام لمنافقين وسَبقَ المؤمنون، فيقول المنافقون للمؤمنين: انتظرونا حتى نقتبسَ من نوركم. فيقول المؤمنون:
{قِيلَ ارْجِعُواْ وَرَاءَكُمْ فَاَلْتَمِسُواْ نُورًا}.
أي إلى الدنيا وأَخلِصوا!- تعريفًا لهم أنهم كانوا منافقِين في الدنيا.
ويقال: ارجعوا إلى حُكْم الأزلِ فاطلبوا هذا من القِسْمة!- وهذا على جهة ضربِ المَثل والاستبعاد.
{فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابُ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذابُ}.
{بِسُورٍ}: وهو جَبَلُ أصحاب الاعراف، يستر بينهم وبين المنافقين، فالوجهُ الذي بلي المؤمن فيه الرحمة وفي الوجه الآخر العذابُ.
{يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُن مَّعَكُمْ قالواْ بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنتُمْ أَنفُسَكُمْ}.
ألم نكن معكم في الدنيا في أحكام الإيمان في المناحكة والمعاشرة؟
قالوا: بلى، ولكنكم فتنتم أنفسكم.
{وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِىُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُم بِاللَّهِ الْغُرُورُ}.
تربصتم عن الإخلاص، وشككتم، وغرَّكم الشيطان، وركنتم إلى الدنيا.
قوله جلّ ذكره: {فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هي مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ المَصِيرُ}.
النارُ ماواكم ومصيرُكم ومُتَقَلبُكُم.
و{هي مولاكم} أي هي أوْلَى بكم، وبئس المصير!
ويقال: مخالفة الضمائر والسرائر لا تنكتم بموافقة الظاهر، والأسرار لا تنكتم عند الاختبار.
قوله جلّ ذكره: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِيِنَ ءَامَنُواْ أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذَِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُواْ كَالَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهُم الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
ألم يَحِنْ للذين آمنوا أن تتواضعَ قلوبُهم وتلين لذِكْر اللَّهِ وللقرآن وما فيه من العِبَر؟ وألا يكونوا كالذين أوتوا الكتابَ من قبل؟ وأراد بهم اليهودَ، وكثيرٌ من اليهود فاسقون كافرون.
وأراد بطول الأمَدِ الفترةَ التي كانت بين موسى ونبيِّنا صلى الله عليه وسلم، وفي الخبر: «أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أَصابتهم ملالةٌ فقالوا: لو حَدّثْتنا».
فأنزل اللَّهُ تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحديث} [الزمر: 23]. فبعد مُدَّةٍ قالوا:
لو قَصَصْتَ علينا!
فأنزل اللَّهُ تعالى: {نَّحْن ُنَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُم بِالْحَقِّ} [الكهف: 13] فبعد مدةٍ قالوا: لو ذَكَّرتَنا ووَعَظْتَنا!
فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وفي هذه الآية ما يشبه الاستبطاء.
وإن قسوة القلب تحصل من اتباع الشهوة، والشهوة والصفة لا تجتمعان؛ فإذا حَصَلت الشهوةُ رَحَلت الصفوة. وموجِبُ القسوة هو انحرافُ القلب عن مراقبة الربِّ. ويقال: موجب القسوة أوَّلُه خَطْرة- فإلمَّ تُتَداركْ صارت فكرة، وإلمّ تُتدَاركْ صارت عزيمة، فإن لم تُتَدَاركْ جَرَت المخالفة، فإن لم تُتداركْ بالتلافي صارت قسوةً وبعدئذ تصيرطَبعًا ورَيْنًا.
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْىِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأَيَاتَ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}.
يُحْيي الأرضَ بعد موتها بإنزال المطرِ عليها وإخراج النّبتِ منها. ويُحيي القلوبَ الميتةَ- بعد إعراضِ الحقِّ عنها- بحسن إقباله عليها.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُصَّدّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}.
أي المتصدقين والمتصدقات.
{وَأَقْرَضُواْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}: يعني في النوافل.
{يُضَاعَفُ لَهُمْ} في الحسنات، الحسنةُ بعَشْر أمثالها.. إلى ما شاء اللهُ.
{وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}: ثوابٌ كبيرٌ حَسَنٌ. والثوابُ الكريمُ أَنَّه لا يضن بأقصى الأجْرِ على الطاعةِ- وإنْ قَلَّتْ.
قوله جلّ ذكره: {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسِلهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ}.
الصدِّيقون: مبالغة في الصدق، والشهداء: الذين استشهدوا في سبيل الله، فالمؤمنون بمنزلة الصديقين والشهداء- لهم أجرهم في الجنة ونورهم في القيامة.
{وَالَّذِيِنَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِئآيَاتِنَآ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.
والصدِّيق مَنْ استوى ظاهرُه وباطنُه.
ويقال: هو الذي يحمل الأمرَ على الأشَقِّ، ولا ينْزلُ إلى الرُّخَصِ، ولا يجنح للتأويلات.
والشهداءُ: الذين يشهدون بقلوبهم مواطن الوصلة، ويعتكفون بأسرارهم في أوطان القربة، {وَنُورُهُمْ}: ما كحل الحقُّ به بصائرهم من أنوار التوحيد.
قوله جلّ ذكره: {اعْلَمُواْ أَنَّمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرُ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ}.
الحياةُ الدنيا مُعَرَّضَةٌ للزوال، غيرُ لا بثةٍ ولا ماكثة، وهي في الحال شاغلةٌ عن الله، مُطْمِعةٌ وغير مُشْبِعة، وتجري على غير سَنن الاستقامة كجريان لَعِب الصبيان، فهي تُلْهي عن الصوابِ واستبصار لحقِّ، وهي تفاخرٌ وتكاثرٌ في الأوال والأولاد.
{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الكُفًَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونَ حُطَامًا}.
الكفار: الزُّرَّاع.
هو في غاية الحُسْنِ ثم يهيج فتراه يأخذ في الجفاف، ثم ينتهي إلى أنْ يتحطّم ويتكسَّر.
{وَفِى الأَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ}.
لأهله من الكفَّار.
{وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ}.
لأهله من المؤمنين.
{وَمَا الْحَياَةُ الدُّنْيَآ إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}.
الدنيا حقيرةٌ- وأحقرُ منها قَدْرًا طالبُها وأقلُّ منه خَطَرًا المزاحم فيها، فما هي إلا جيفة؛ وطالِبُ الجيفةِ ليس له خطرٌ. وأخس أهل الدنيا مَنْ بَخِلَ بها.
وهذه الدنيا المذمومة هي التي تَشْغَلُ العبدَ عن الآخرة!
قوله جلّ ذكره: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}.
أي سارِعوا إلى عَمَلٍ يوجب لكم مغفرةً من ربِّكم، وذلك العملُ هو التوبة.
{وَجَنَّةٍعَرْضُهَا} ذَكر عَرْضها ولم يذكرْ طولها؛ فالطول على ما يوافيه العَْرضُ.
{أُعِدِّتْ لِلَّذِينَ ءَامُنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}: وفي هذا دليلٌ على أنَّ الجنةََ مخلوقة.
{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ}.
وفي ذلك ردٌّ على من يقول: (إن الجنة مُسْتَحقَّةٌ على الطاعات، ويجب على الله إِيصالُ العبدِ إليها).. لأن الفضلَ لا يكون واجبًا.
ويقال: لمَّا سمعت أسرار المؤمنين هذا الخطاب ابتدرت الأرواحُ مُقْتَضِيةً المسارعة من الجوارح، وصارت الجوارحُ مستجيبةً للمُطالَبةِ، مُستبشرة برعاية حقوق الله؛ لأنها علمت أن هذا الاستدعاءَ من جانب الحقِّ سبحانه.
قوله جلّ ذكره: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِبيَةٍ في الأَرْضِ وَلاَ في أَنفُسِكُمْ إِلاَّ في كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}.
المصيبة حَصْلةٌ تقع وتحصل. فيقول تعالى: لا يحصل في الأرض ولا في أنفسكم شيءٌ إلى وهو مُثْبَتٌ في اللوح المحفوظ على الوجه الذي سبق به العِلْم، وحقَّ فيه الحكم؛ فقبل أن نخلق ذلك أثبتناه في اللوح المحفوظ.
فكلُّ ما حصل في الأرض من خصبٍ أو جدبٍ، من سعة أوضيق، من فتنة أو استقامة وما حصل في النفوس من حزن أو سرور، من حياةٍ أو موت كلُّ ذلك مُثبت في اللوح المحفوظ قبل وقوعه بزمان طويل.
وفي قوله: {مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} دليلٌ على أن أكساب العباد مخلوقة لله سبحانه. وللعبدِ في العلم بأنَّ ما يصيبه: من بسطٍ وراحةٍ وغير ذلك من واردات القلوب من اللَّهِ- أشدُّ السرور وأتمُّ الإنْسِ؛ حيث عَلِمَ أنه أُفْرِدَ بذلك بظهر غيبٍ منه، بل وهو في كنز العَدَم، ولهذا قالوا:
سقيًا لمعهدك الذي لو لم يكن ** ما كان قلبي للصبابة معهدا

قوله جلّ ذكره: {لِكَيْلاَ تَأسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَآ ءَاتَاكُمْ}.
عَدَمُ الفرحة بما آتاهم هو من صفات المتحررين من رِقِّ النَّفْس، فقيمةُ الرجالِ تتبين بتغيُّرِهم- فَمَنْ لم يتغيَّرْ بما يَرِدُ عليه- مما لا يريده- من جفاءٍ أومكروهٍ أو محنة فهو كاملٌ، ومَنْ لم يتغيَّرْ بالمسارّ كما لا يتغير بالمضارِّ، ولا يَسُرُّه الوجودُ كما لا يُحْزِنُه العَدَمُ- فهو سَيِّد وقته.
ويقال: إذا أردْتَ أن تعرفَ الرجلَ فاطلبْه عند الموارد؛ فالتغيُّرُ علامةُ بقاء النَّفْس بأيّ وجهٍ كان:
{وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}.
فالاختيال من علامات بقاء النفس ورؤيتها، والفخرُ (ناتجٌ) عن رؤيةِ ما به يفتخر.
قوله جلّ ذكره: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
بخلوا بكتمان صفة نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وأمروا أتْباعَهم بذلك، وذلك لما خافوا من كسادِ سُوقِهم وبطلان رياستهم.
{وَمَن يَتَوَلَّ} عن الإيمان، أو إعطاء الصَدَقة {فَإِِنَّ اللَّهَ هُوَالْغَنِىُّ الْحَمِيدُ}.
والبخلُ- على لسان العلم- مَنْعُ الواجب، فأمَّا على بيان هذه الطائفة فقد قالوا: البخلُ رؤية قَدْر للأشياء، والبخيلُ الذي يُعْطِي عند السؤال، وقيل: مَنْ كَتَبَ على خاتمه اسمه فهو بخيل.
قوله جل ذكره: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالقِسْطِ}.
أي أرسلناهم مُؤيَّدين بالحُجَجِ اللائحة والبراهين الواضحة، وأزَحْنا العِلَّةَ لِمَنْ أراد سلوكَ الحُجَّةِ المُثْلى، ويَسَّرنا السبيل على مَنْ آثَرَ اتّباعَ الهُدَى. وأنزلنا معهم الكُتَبَ المُنَزّلةَ، و{الميزان}: أي الحُكْمَ بالقرآن، واعتبار العَدْلِ والتسويةِ بين الناس.
{لِيَقومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ}: فلا يَظْلِمُ أحدٌ أحدًا.
قوله جل ذكره: {وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ}.
{أنزلنا الحديد}: أي خلقنا الحديد.
ونصرة الله هي نصرةُ دينه، ونصرةُ الرسولِ باتِّباعِ سُنَّتِه.
{إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزيزٌ}: أقوى من أن يُنَزَعَه شريكٌ، أو يضارِعَه في المُلْكِ مليك، وأعزُّ من أن يحتاج إلى ناصر.
قوله جل ذكره: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا في ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}.
أي أرسنا نوحًا، ومن بعده إبراهيم، وجعلنا في نَسْلِهما النبوَّةَ والكتاب.
{فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ}.
أي: مستجيبٌ.
{وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.
خرجوا عن الطاعة.
قوله جل ذكره: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى ءَاثَرِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَءَاتَيْنَاهُ الإِنجِيل وَجَعَلَنْا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً}.
أي: أرسلنا بعدهم عيسى ابن مريم.
{وَرَهْبَانَيِّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ}.
بيَّن أنَّه لم يأمرهم بالرهبانيَّة بل هم الذي ابتدعوها ثم قال: {إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}.
هم الذين انفردوا بما عقدوه معنا أن يقوموا بحقِّنا.
{فَئَاتَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.